تأملات (قصة و عبرة ) عن قصة واقعية
في مساء ربيعي جميل كانت تقطع صوت زقزقة العصافير أصوات مواء ضعيفة ، مكتومة ، ولكنها متواصلة ...
تجاهلتها تلك الٱذان لعدم معرفة مصدرها بالتحديد ، وقد يكون مصدرها بيوت الجيران ...
لكن و بعد أن قص "جابر" ما حدث على أسرته ، لم يعد هناك أدنى شك بأن مصدر الصوت هو قطط حديثة الولادة ملقاة في مكان ما في أركان الحديقة المخفية ...
أخبر جابر أسرته أنه وجد القطة والتي كانت حاملا الفترة الماضية ، بالقرب من سور الحديقة ، هامدة بدون أي حركة ، ولما اقترب منها تأكد أنها ميتة ، و كان بطنها مسطحا تماما ، ما يعني أنها وضعت جرائها في مكان ما ، ثم ماتت ...
نقلها جابر بأداة وجدها في الحديقة ، و حفر لها حفرة في مكان ما بعيدا عن البيت في الخلاء ، و دفنها و عاد للمنزل ...
لابد أنه كان حزينا ، فهذه القطة وإن لم تكن قطته بمعنى الكلمة ، إلا أنها ولدت و عاشت حول منزل عائلته لفترة تتجاوز العامين ، و كانت هي وأخواتها تطوف من حين لٱخر بين فنائهم ، وأفنية الجيران تبحث عن رزقها ...
تأكد الجميع أن صوت القطط يصدر من برميل حديدي قديم في ركن من الحديقة ، و عندما نظروا بداخله ، وجدوا بالفعل ثلاث قطط صغيرة جدا ، لم تفتح عينيها بعد ، كان أحدها أسود تماما ، والقطين الٱخرين أصفران ..
كانوا ضعفاء ، خائفين ، وجائعين بلا شك !!
أخرج الشقيقين جابر و عماد القطط من ذلك المكان ، لصندوق به قطعة قماش لتحميهم ، وتشعرهم ببعض الدفئ ..
وذهب عماد بسيارته إلى الصيدلية القريبة ليشتري قطارة ، أو محقن صغير ، أو أي شي يمكن أن ينقط به الحليب في فم هذه القطط الصغيرة ...
و استشار الصيدلانية التي وجدها في تلك الصيدلية بشأنهم ، فنصحته بشراء تركيبة معينة من الحليب ، ونوع خاص من الزجاجات لإرضاع القطط ، إلى غير ذلك من الأمور الباهظة الثمن ، إلا أن عماد لم يكن مستعدا بمبلغ كاف عندما غادر المنزل مستعجلا ، فشكر الطبيبة على لطفها ، واختار ما يناسب ميزانيته و حساسية الموقف ، فالقطط الصغيرة لم يتناولوا شيئا منذ مدة ، ولا مجال للترف الٱن ، كما تطوعت نفس الفتاة بكفالة إحدى القطط ، إلا أن والدة جابر ، وعماد أخبرت عماد لاحقا عندما عاد أن عمر القطط الحالي ووضعهم لايسمح بتفريقهم أبدا ، وأنهم يجب أن يبقوا معا فهم يدفئون بعضهم البعض ، وأي تصرف عاطفي غير مدروس قد يؤدي لعكس ما نريد ، ألا وهو إنقاذ حياة هذه القطط الصغيرة ..
وبالفعل كان ذلك حال القطط ، متراكبين فوق بعضهم البعض ، و يرتعشون من الخوف ، والجوع ...
استجابت القطط بصعوبة لتناول بعض قطرات من الحليب المبستر الدافئ بالقطارة على مضض ..
لكن هذه القطرات ، كانت كفيلة بفضل الله بتحسن حالتهم ، و زيادة نشاطهم بشكل جيد ..
إلا أنهم كانوا خائفين ، و مفتقدين لمصدر الحنان ، والرعاية "الأم"
وتواصلت جهود جابر ، وعماد في رعاية القطط ، حتى أنهما أسكنوهم في إحدى الغرف في نفس الطابق الذي ينامون فيه لتسهل عليهم عملية إطعامهم ، ورعايتهم ..
إلا أن عماد قرأ عبر شبكة المعلومات أن الحليب المبستر ، ليس كفيلا بإبقاء القطط بصحة جيدة ، بل وقد يعرضهم للخطر ، كما أن حتى الحليب الخاص بالاطفال قد لا يكون مناسبا لهم ، وأن الحل الأمثل ، و الأنسب لهم من كل النواحي ، هو البحث و بسرعة عن أم بديلة تكون في مرحلة الإرضاع ...
وبالفعل لم يتوانى عماد في البحث عن مجموعات الفيس بوك الخاصة بالقطط _والتي بالمناسبة يرتادها عماد بشكل دائم ، وهو عضو فيها ، و ساهم في إنقاذ أكثر من قط يتيم ، أو مريض بنفس الطريقة عبر هذه المجموعات _ ، و استمر عماد في التواصل يمنة ، و يسرة عبر الهاتف ، والإنترنت مع كل من يمكنه المساعدة في كفالة هذه القطط اليتيمة ، و إنقاذها من الموت ..
و شاء الله أن يكون في الطرف الٱخر ، و في مكان ليس ببعيد عن منزل أسرة عماد، وجابر قطة أم ولدت قريبا جراءا صغارا ، وماتوا و لم يبقى لها سوى جرو صغير و قلبها مكسور على إخوته الٱخرين ، فتم التنسيق بين عماد ، وبين صاحب القطة ، و التقيا في نقطة ما ، وتم تسليم القطط الصغيرة للشاب صاحب القطة الأم .....
و الحمد لله تقبلت الأم الصغار منذ لحظة رؤيتهم لها ، بل و ربما اعتقدتهم صغارها !!
صورة مصغرة ، من صور رحمة الله الواسعة التي وسعت كل شيء ، تمثلت في أشياء كثيرة في القصة القصيرة الواقعية التي سردتها للتوّ ...
رحمة و ضعها الله في قلب جابر ، وعماد تجاه مخلوقات ضعيفة ، دون أي مصلحة ، أو مقابل ، و رحمة في قلب أصحاب القطة الأم في أن يبحثوا لها عن أبناء ، و رحمة في قلب الطبيبة الصيدلانية ، و رحمة في قلب أم جابر و عماد ، و رحمة في قلب الأم القطة بأن تقبل الصغار ، وهم ليسوا صغارها ، و رحمات عديدة من رحمات الله سبحانه وتعالى تتجلى في صور إنسانية جميلة و هي فقط جزء صغير من جزء واحد أنزله الله في الدنيا من تسع و تسعين جزء ادخرها الرحمن الرحيم للٱخرة ...
ما أرحمك يا الله
وحتى نلتقي في تدوينة جديدة بإذن الله تعالى ..
أطيب المنى
و في أمان الله ..
posted from Bloggeroid
تعليقات
إرسال تعليق